السر وراء ما نشتريه.

ليس صوت خشخشة الكيس المثير ، ولا فرقعة ورق التغليف ، ولا تلك اللحظة التي تنفتح فيها الصورة على مشترياتنا آخيرا ً، سواء أطلت من (كرتون ) مشتريات أون لاين أو من (كيس ) أختطفناه رغماً عنا من متجر . ليس كل هذا سبب حقيقي يدفعنا لنهم الشراء .

بتتبع موضوعي للمشهد، ستجد أن شعور الشراء المبهج سبقك في نفسك قبل أن تشتري شيئا ً من الأساس . تلك الدغدغة اللذيذة التي تسري في صدرك لإمتلاكك شيئا ً اعتقدت فجأه أنه ضروري و أنه سيضفي على لوحة حياتك لونا ً نهائيا ً من الكمال .

لكن _و ياللأسف _ هذا الشعور اللذيذ لا يدوم . إنه يبدأ بالتراجع المأساوي في اللحظة التي تأخذ القطعه المشتراه مكانها في المنزل ، هذا إن كان لها مكان في الأصل ، و آيضا في اللحظة التي يتحتم عليك فعل شيء ما بما اشتريته كأن تأكله أو تلبسه أو تضعه على وجهك أو .. هل أدركت حجم العبء ؟ كل ماتشتريه سيأخذ من بيتك مكان ( كتحفة ) و من وقتك زمان ( كقراءة مجلة ) و في حالات أخرى سيخالط جلدك و سيبيت في معدتك و في أسوأ الحالات سيقضي على البقيه الباقيه من مالك ( كآلة قهوه تشتري لها كبسولات كل شهر ).

و هنا فقط يأتي التراكم المادي الذي سيخط شكل حياتنا. أهو إمتلاء أم فراغ ؟.

لنتفق أولا ً أن اقتناء الأشياء متعة أكيده في الظاهر ، لكن ما سيحدد استمرار هذه المتعة أو موتها المبكر هو من أين أتت رغبتنا من الأساس ؟ هل هي من دعاية عابره في التلفاز أم من صورة لامست جوهرنا و نمط حياتنا ؟

تَتَبّع ( بشد الباء ) مصدر الرغبة و لا تَتَبَعها .

أنت تتصفح الإنترنت في أمان الله ، فجأه تظهر لك صورة كوب مرسوم عليه شخصيتك المفضلة و ألوانه برّاقة منعشة ، تبدأ لا اراديا ً بتخيّل هذا الكوب في يدك وقد انبعثت منه رائحة القهوة الصباحية ( ياللجمال ). ليس ذلك فحسب ، أنت تنوي أن تصوّر كوبك ضمن مشهد سعيد و تعرضه لأصدقاءك و غالبا أعدائك ، نعم ، أنت لا تكتفي بالرغبة بل تصدّرها للآخرين . و إلا كيف ستطيل عمر المتعة اذا اكتفيت بإستشعارها لوحدك ؟ . لكنك و من باب ضبط الذات تبدأ بطرد هذه الصورة ، وتواصل تصفح الإنترنت . لكن تبدأ إعلانات أخرى بالظهور، و الأموال التي قررت أن تشتري بها الكوب ( و تحمد الله أنك لم تفعل ) تحوّلها لشراء ( تي شرت ) آخيرا ً وجدته . ثم تبدأ صورك العقلية بالوميض : أنت ترتدي التي شرت على بنطالك الجينز في نزهة … الخ . و مهما واصلت ضبط النفس ستعاود الإعلانات الظهور و تستمر صورك العقلية بفرز المشاهد البرّاقة.

هل أدركت المغزى ؟ أنت في الواقع، لا تحتاج لشراء شيء ، أنت فقط، متلَبَس بشعور ( الرغبة ) وهو يتلوّن حيثما وُجدت شرارة الإمتلاك . إن لم تنتبه ستبدأ بتغذية رغباتك بشراهة مجنون، ولو بشراء ابرة من خشب لتطعم وحشك الجائع . ولو رفعنا عدسة المكبر على الصورة ، فإن الأمر احيانا لا يقتصر على المقتنيات المادية ، قد يحدث أنك تريد أن تملك صفات ، و عادات ، و نمط حياة ، و تقاليد ، و ثقافه لا تنتمي لك . إنك تحوم في الفراغ و النقص و الشعور الدائم بالضآلة . ذلك الذي يدفعك لكل ماهو خارجي لإمتلاكه .

هذه المقالة لا تهدف لقتل الوحش بل ترويضه ، و 6 أفكار قد تفعل ذلك :

1. لا تخطف شيئا من الشارع :

أي لا تأخذ شيئا ً معك للمنزل كلما خرجت للتنزه في الشارع . المكتبة و البقالة و محال الأواني باقية مابقي العالم .ضع ذلك في ذهنك و دع يديك و منزلك يرتاح من عب ء اضافي تشتريه منها.

2. دع الرغبة تتخمر :

ولو فرضنا جدلا ً أنك أُعجبت ببضاعة رأيتها . تنفس ( بالله عليك ) و لا تلتقطها فورا ً . اذهب لمنزلك ، اكتبها في ورقة ، تخيلها ، جهز لها مكانا ً في منزلك ، اعطها فرصه 5 أيام فأكثر ثم اختبر صدق رغبتك بها .

3. اعقد صداقة مع التسوق اون لاين :
التسوق أون لاين هو أفضل وسيلة تُبطئنا نسبيا ً عن شراء فور ما تقع عليه أيدينا . اشبع نهمك بالتصفح ، املأء سلة المشتريات ثم اذهب لفراشك ونم . اختبر رغبتك غدا ً أو دعها تتخمر لكن لا تنسى أن تفعل الفقرة التالية .

4. لا تملأ البطاقة الإئتمانية بالمال / ارسم حدودك. :
التسوق اون لاين مفيد في كبح رغبتك ، لكن ليس اذا كانت بطاقتك الإئتمانية ملأى بالمال . فهي ستدفعك فورا ً لإتمام عملية الشراء . احرص على جعل رصيدك صفرا ً ولا تضع بالبطاقة مبلغ مالي إلا وقت الشراء فعليا ً لا في وقت التصفح .و ان كانت بطاقتك تقبل الشراء بلا حد ائتماني فإبدأ بوضع القيود لها.

5. استفد من المحافظ و الحسابات الاستثمارية
توفر فكرة الحسابات الإستثمارية أموالا لا يمكن التحكم فيها (سحب و تحويل) إلا في أوقات محدده ( أيام و وقت العمل الرسمي ) .إن كنت تملك حسابا ً ، اجعل جزء كبير من أموالك في الحساب الاستثماري . هذا سيكبح قدرتك على سحب المال فورا ً وفي أي وقت وذلك مقارنةً مع ما يوفره الحساب الجاري .

6. استراتيجيات أكبر :

تذكر أن المال ليس طاقة وُجدَت لهدرها على رغبات ضئيلة لا تثري حياتنا و تسمو بها. اجعل من مالك وسيلتك لبلوغ مستوى حياة ارقى كما هو العلم والعمل: انتقي الأفضل، اشتر ما ينتمي اليك، املأ فراغ حياتك بأشياء حقيقيه عوضا عن مادية.

و الأهم من كل هذا، لا تشعر آبدا بالذنب، لو استيقظت فجأة و أنت محاط بكل التفاهات التي اشتريتها في لحظة سيطرة الوحش.

و الموضوع يطول. هذا كل ما في جعبتي الأن

شكرا لمرورك وأسعد برأيك.

8 ردود على “السر وراء ما نشتريه.”

  1. موضوع شامل ما شاء الله
    شكرا لك 🌷
    سأحاول تطبيق الأفكار التي ذكرت.
    فانا يحصل لي هذا الأمر مع محل القرطاسية
    فكلما دخلت له لا بد أن أشتري منه ولو ذهبت إليه يومين متتاليين.
    وهذا الأمر بدأ يزعجني مؤخرا.

  2. من ألذ المتع اللي مستحيل تنقرض هي متعة التسوق..

    من ناحيتي في بالي أشياء كثيرة أبيها..يعني اللستة ما تنقص بل تزيد..وكلها “أحتاجها”..وبعدين بعد فترة وخصوصا بعد قراءتي كتاب ماري كوندو عن الترتيب وأفكارها الأساسية..حسيت اني عشان أروض هذي اللستة اني ارتب نفسي وبيتي واحتياجاتي وأعرف بالضبط وش الأساسيات اللي ناقصتي ف أشتريها أول شيء..وبكذا اوكي بيكون عندي لستة واقعية حتى لو كانت طويلة (كل واحد ونمط حياته) & مرتبة -اهم شيء- مو كل شيء سايح ع بعضه بالمخ

    مثلا زي الأكل..روحة السوبرماركت الشهرية اصير مرتبة نفسي انو ما أخبص كثير بالحلويات ف ما اشتري حلويات او اشتري شيء واحد.

    زي الملابس..(الحمد لله هالشتاء حبيت نفسي على هالتصرف) الشتاء هذا جاء واضطريت اشتري كل شيء جديد عشان حرفيا ما عندي شتوي، ف قررت اشتري تنورتين(وحدة يمدي رسمي & كاجوال ووحدة كاجوال) مع كذا بلوفر وصلى الله وبارك..كنت حاطة ببالي فساتين شتوية لكن ما لقيت ف اخذت الخيار الثاني اللي هو تنورات..ف انا عارفة ان نمط حياتي بسيط ف ليش اروح ابعزق فلوسي ع ملابس ما راح البسها الا مرة & حتى الناس اللي حياتهم اجتماعات ورسميات وزواجات الخ اذا الواحد عنده مبدأ ويمشي عليه بيخلي الناس تحترمه غصب.

    وبرضو شي مهم انو فكرة ان الواحد يكتب وش يحتاج اسبوعيا/شهريا/فصليا عشان بالضبط يعرف راسه من رجوله..تعتبر فكرة صعبة بالنسبة لي، او لنقل توني اكتشف اني فعليا احتاجها ومنصدمة اني احتاج ورقة وقلم وأدون عشان أنجز وأفهم وش قاعد يصير! كنت أحسبه مجرد خرابيط تنقال في كتب من نمط “غير حياتك”..لكن الآن أقول لنفسي “تبا يا منيرة انت مو قاعدة تسوين شي ولا عارفة وش تبين ف كيف تبين تتحركين وتبدأين؟” .. كنت أحسب اني بصير قوية فجأة وأقول نعم للتغيير واغير كلش بلحظة! حرفيا انا متعبية خيالات وكلام من المقاطع والاشياء اللي اقراها عن اشخاص تغيروا وكان سبب تغيرهم تويست مفاججئ بمخهم خلاهم يقفزون هالقفزة الحلوة، وانا جالسة انتظر التويست حقي واقول لنفسي “انا كذا بس راح اتغير اذا حدث لي التوويست دونت ووري”! التويست حقهم ما جاء من فراغ..جاء من تراكمات بخصوص الموضوع اللي تطوروا فيه & نمط شخصيتهم..طب اذا انا ما عندي هالشيئين شلون بتغيربخصوص هذاك الموضوع؟؟ اذن هذا يعني اني ابذل جهد من نفسي من الصفر..انا اخلق كل شيء عشان انجح بهالموضوع..وبس 💜

    • شكرا لمشاركتنا تجربتك يا منيره . أنا مثلك عندي لسته مشتريات و الغالبيه عندهم لسته .. الفرق في فكره ( تخمر الرغبه ) يعني مو اكتب لسته و بعد ساعه اطلع السوق اشطبها 😂 .. و جميله فكرتك ان احنا نتطور كل مره في هالموضوع .. واتفق معاها .. نيه صغيره ورا نيه صغيره تصنع تحول في شخص الانسان .. اسعدني مرورك🌺

  3. موضوع في الصميييييييييم 👌
    فعلًا لاحظت هذا الشيء على نفسي في كثير مرات خصوصا لمن أتفرج على مقاطع اليوتيوب وتكون وحدة توصف منتج أو شيء اقتنته وكيف انه أنقذ حياتها، بالذات إذا كان سعره معقول اكتشفت نفسي في كذا مره أوقف الفيديو وأروح أبحث عنه.. صحيح إني دائمًا أحطه في سلة المشتريات وأتراجع عن الفكرة بعد فترة لكن الشعور اللاإرادي في الرغبة باقتناء المنتج خوفتني 👀

    لذلك بعد ما شفت الفلم الوثائقي Minimalist و فلم The true coast قررت أغير مبدئي في الشراء تمامًا، واغير منهجي في التدوين وإني أبعد تمامًا عن الترويج إلّا للأشياء اللي تمامًا مقتنعة فيها وبدون أساليب مبالغة في التسويق 👍

    وشكرًا لك مره ثانية جوهرة على هالموضوع الشيق 💖

    • شكرا لإثرائك الموضوع روان .. و الأفلام اللي ذكرتيها ممتاز فعلا .. و تنبهك لجمال البساطه عوضا عن اقتناء اشياء كثيره .. سعدت بمرورك

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: