
مساء أبريلي منعش .
هذه التدوينة هي أقرب للمحادثة من القلب إلى القلب بيني و بين أي قارئ مخلص لمدونتنا أو متابع جديد مهتم بمواضيع التخطيط و تنظيم شؤون الحياة .
و الغرض فيها الأجابة على سؤال تكرر كثيراً في حساباتنا وهو :
( من أين أبدأ تنظيم فوضى حياتي؟ )
وهذا السؤال يأخذ أشكال مختلفة مثل :
( أنا طالبة و أشعر أن كثرة المهام غلبتني ،أريد خطة ) ،
( أنا أم ، و أعيش حياة فوضوية . و لا أعرف كيف أخلق نظام مريح في منزلي )
( أعيش حياة عشوائية من السهر و الأكل الغير صحي. من أين أبدأ التغيير ؟ )
هذه الأسئلة عندما تُطرح علي بشكل مباشر في الرسائل الخاصة أو الواتساب ،تصيبني بدرجة من العجز ! . ﻷنه لا يمكن رسم خطة منظمة واحدة تناسب الجميع . وهو ما يجعلني أتسائل : هل فشلت منشوراتنا في إيصال مفهوم التخطيط للآخرين ؟
تشخيص المشكلة :
إن ما يحدث عندما نشعر بالفوضى و زيادة وطأة المهام ، هو أننا نميل للتفتيش عن( زر بداية ) نعتقد أنه لو ضغطناه ستأخذ الأشياء مكانها الصحيح وتنتظم الحياة .
والمعضلة تكمن في :
أن هناك أزرار كثيرة _ وليس واحد _ محتمل أن يكون هو زر البداية . كما أن لكل فرد زر بداية صحيح خاص فيه .
كما أن ( بداية شعورك ) أنك في المسار الصحيح و الحياة المنظمة ، يختلف عن شعوري .
فقد أقترح عليك كبداية لتنظيم حياتك أن تلتزم بالاستيقاظ المبكر و ممارسة الرياضة . لكن يحدث بعد مدة من الإلتزام أن لا تشعر بشيء تغيّر فعلاً في حياتك . و السبب أن التنظيم قضية مرتبطة بالشعور أكثر من كونه مجموعة أفعال عشوائية يوصيها لك مدرب حياة أو قوقل .
لكن مرة أخرى .. من أين نبدأ ؟

لنتفق أنه عندما يقول الشخص ( أحتاج خطة ، من أين أبدأ ؟) أنه يعني : أنا أشعر بشعور سيء حيال شيء أو حدث معين ، و هذه المشاعر تضر بجوانب أخرى في حياتي (باختصار : أنا أغرق )
و الحل المختصر لهذه الحالة يتبع هذه القاعدة :
( زر البداية) هو نفسه ( زر الألم ) .
ما الذي يؤلمك الأن في حياتك ؟ سواء ألم سطحي مثل فوضى المكان أو ألم عميق مثل القلق من الفشل الدراسي . من هنا ( نقطة الألم ) أنت تبدأ رسم الخطة .
لكن ماهي الخطة ؟
اسمح لي هنا بكتابة أسطر قليلة من التنظير من واقع مشاهداتي في السوشال ميديا.
بصراحة : معظم الناس يفتقرون للتواضع لمدرسة الحياة ، و يريدون أن ينجحوا من اختباراتهم بسرعة . هم يبحثون عن وصفة سحرية تنقل واقعهم من حال إلى حال ، و يستكثرون على أنفسهم الجلوس و كتابة أفكارهم و رغباتهم ثم رسم طريقة للوصول إليها .
إذا كنت تؤمن أن هناك خطوة أولى أو زر بداية لتنظيم عشوائية حياتك ، فأنا أتفق معك ، لكن الخطوة الأولى تتبعها خطوات أخرى تتطلب درجة من الجهد و الإلتزام .
فأنت لا تحتاج فقط إلى تعلم كيف ترسم خطة ، بل تحتاج أيضا أن تتعلم الالتزام بها .
كيف أتعلم رسم خطة بنفسي ؟
لنأخذ قصة مألوفة و نطبّق عليها موضوع رسم الخطة :
أنا امرأة أعاني من زيادة الوزن ، و أشعر أن نظام حياتي هو السبب ، أنام متأخر بسبب طفلي الرضيع . و أشعر بالحنق و الغضب من فوضى منزلي . من أين أبدأ ؟
وسنفترض أن هذه المرأه لا تعاني اكتئاب يتطلب زيارة طبيب نفسي ، و لا تريد أن تدفع مال لشراء كتاب أو دورة أو استشارة مدرب حياة .
ماهي الخطة الأن ؟

أولاً : فتش عن نقطة الألم .
هل هي زيادة الوزن ؟ أم النوم ؟ أم الرضيع ؟ أم المنزل الفوضوي ؟
انتبه : هناك ألم فعلا و هناك هوامش للألم . فمثلاً لو أحضرت هذه السيدة خادمة تعينها في شؤون المنزل قد تنسى مسألة الوزن . أو ربما لو انتظم نومها ، لشعرت أن الحياة أكثر قابلية للتعايش .
لا أحد يعرف الجواب إلا هذه السيدة .
و عندما تمر في أزمة مثل هذه ، فكّر قليلاً : ماهو الإزعاج الذي لو تم حله بالكامل أو جزئياً ستستقر بعده بقية الأمور أو لنقل تصير أخف وطأة .
ثانيا: بعد أن تحدد نقطة الألم . اكتب خطة العلاج :
ورقة و قلم ، اكتب فيها على الأقل من 3 إلى 9 حلول مقترحة لتحسين الوضع .
وبالعودة للمثال أعلاه ولو افترضنا أن زيادة الوزن هي نقطة الألم . تحتاج هذه المرأة أن تكون حلولها متسقة معها بمعنى : واقعية ، مريحة ، يمكن تطبيقها و الالتزام فيها لفترة .
تذكر أن بعض الحلول قد تزيد الأحوال سوءً . مثل أن تقرر السيدة أن تذهب للنادي . ثم تشعر بالذنب حيال رضيعها ، ثم لا تجد وقت للعناية بمنزلها وكله يؤجج نقطة الألم و لا يخففها .
لكن بإمكانها أن تبدأ مثلاً بالحلول الغذائية : الأكل المتوازن ،و تقليل السكريات ،
ثم تختار خيار المشي اليومي في شارع الحي وهي تجر عربة طفلها الرضيع .
و أخيراً تمارس تمارين للتقبل و الامتنان لتعزيز شعورها الطيب نهاية اليوم .
هذه خطة صغيرة جيدة كبداية . تناسب حياتها ( بدون تنظير من أحد أو رأي من شخص لا يعيش نفس ظروفها ) . و سهل تلتزم فيها و حتى لو أخفقت يسهل العودة إليها .
ثالثا : شكل الخطة :
أنا أعتبر نفسي من( مدرسة الورقة و القلم ) ، أي أن الخطة يجب ( و أكرر يجب ) أن تكتب على ورق . وفي مراحلة متقدمة تُرسَم و تلوّن . و في مراحل أعلى تُلَحن و تُغنّى😂 . الخطة حتى تكون مهمة يجدر أن يُحتفى بها . تُستودع في دفتر محترم ، تُكتب بخط واضح ، تُوضع في مكان مرئي ونراها و نتابعها كل يوم .
في مثال المرأه السابق ، و بما أنها قررت أن تركز على النظام الغذائي ، إذن هنا نبحث عن جدول واضح للوجبات ، سواء تنظمه بنفسها من خلال فهمها لسلوكها الغذائي أو تفتش في الانترنت المجاني عن أفكار مناسبة . أما المشي يعني قائمة تتبع أسبوعية سواء في الهاتف أو الورق و تدعم خطتها بتطبيق مجاني لتتبع المشي . أما الإمتنان بإمكانها تطبيقها في مفكرة على الهاتف أو دفتر خاص .
كل حل يأخذ شكل مناسب على الورق سواء جدول ، قائمة تتبع ، قائمة مهام ، صفحات مُسطّرة …
وهذه حتى الأن خطة مجانية جاهزة لها . لكن ينقصها بعض الهوامش لتكتمل .

رابعاً : هوامش تنظيم حول الخطة :
الالتزام في خطتك يتطلب درجة من الثقة بالنفس . فلو كنت تُعَرّْف نفسك كشخص قليل الالتزام أو سريع الاستسلام . ستحبط خطتك بسرعة حتى قبل أن تبدأ .
و وجهة نظري في ذلك أن بالاضافة لخطتك الاساسية جرّب الالتزام بأشياء هامشية أخرى ،تكون سهلة و لا تؤنب نفسك عليها لو توقفت .و لو كانت تلك الأشياء ترتبط ب ( نقاط الألم ) كان أفضل لكن ليس بالضرورة .
فمثلاً بخصوص قصة السيدة ، و برغم شعورها بحياتها الفوضوية ، إلا أنها قد تجد سهولة بالالتزام بالقراءة كل يوم ، أو تنظيف بشرتها في المساء . هذه المهام ممتعة لها ، و سهلة ، و عندما تكتبها بوضوح على هامش خطتها في قائمة تتبع، سيزيد شعورها أنها امرأه تستطيع الالتزام ، و أنه بالرغم من وجود الكثير من الأشياء الفوضوية في يومها ، إلا أن هناك نقاط ثابته ومرتبة في حياتها . ولو اضافت بند ثانوي مرتبط بنقطة الألم مثل : ترتيب سريع للمنزل في المساء لمدة 15 دقيقة . و أخذت الموضوع من منطلق التجربة قد تنجح أو تفشل ، بدون شعور بالتأنيب . ستكون عززت من شعورها الإيجابي و أرست الكثير من النظام في يومها مقارنة بالسابق .
خامسا : جوانب منسية في الخطة:

هل تذكر عجلة الحياة ؟ . تلك الدائرة التي تمثل جوانب حياتك المهمة مثل الصحة و المال و العمل و العلم و الحياة الاجتماعية و الترفيه و الروحانية و غيره ..
مهم أن تعرف أنه عندما تنشغل في بعض جوانب العجلة مثل ( صحتك ، عائلتك ، عملك .. ) قد تسقط جوانب أخرى تلقائياً أو تتخفف من المشهد مثل ( حياتك الاجتماعية ، درجة روحانيتك ، منزلك … )
مشكلتنا نظن أنه يمكننا خلق توازن تام بين كل هذه الجوانب . لكن أنا أرجوك أن تتحرر من هذه الفكرة ، أنت تحتاج أن تتناسى عمداَ إدراج بعض الأشياء في خطتك . أوصي فقط أن تغذي جوانب الألم أو المتعة (أي الجوانب التي أعلنت نفسها بوضوح أنها تحتاج اهتمام هذه الفترة أو الجوانب التي تلوح بفرص جيدة لتحسين حياتك و زيادة متعتك) أما بقية الجوانب ( التي لا تؤلم و لا تُمتع ) غذيها بلطف بأعمال صغيرة كل مرة ، بدون تركيز ، و بدون التزام .
ففي مثالنا السابق : ستكون المرأة في حالة تركيز على الجوانب التالية : العائلة ، الصحة الجسدية و النفسية . و ستعطي جوانبها الأخرى اهتمام متفرق هادئ من باب التوازن لا أكثر مثل :
تلتقي بصديقاتها مرة في الشهر ( تغذية للجانب الاجتماعي )
تقرأ كتاب واحد شهريا ( تغذية للجانب العلمي )
تشاهد فيلم مرة في الأسبوع ( تغذية للجانب الترفيهي )
وهكذا.
و في ملف التخطيط شاركت تذكيرات لأعمال ممكن تطبيقها لكل جوانب العجلة ، سواء في التخطيط اليومي أو الأسبوعي أو الشهري
انقر الصورة أو الرابط للوصول للتفاصيل :
https://joharhworldshop.com/Azxbjrq

سادسا: الالتزام بالخطة :
إن محاولة الالتزام بالعادات المخطط لها هو خلطة محيرة ، يبدأ بالجهد الكثير مع القليل من الإنجاز ، ثم يتحول إلى الجهد القليل مع الكثير من الإنجاز .
السر يكمن في جعل بداية العادة سهلة ( قليلة جهد ) حتى نستمر ، وبعدما تتحسن مرونتنا نبدأ بزيادة الجهد
اقرأ موضوعي عن الالتزام بالعادات :
و حسب خبرتي أقول : ستعرف أن خطتك صحيحة لما تلتزم بها بجهد معقول ( ليس مبالغ فيه ) ثم تشعر بعدها بشعور طيّب .
أما الخطة الخاطئة : هي التي يصعب عليك الالتزام بها برغم جهودك اليومية الكثيرة ، و في النهاية تشعرك بالاجهاد مع تساؤل ( لماذا يجب أن أفعل هذا ؟ )
لكن حتى في الخطط الجيدة ، كن مستعد لما يعرف بسقوط الخطة أو اضمحلالها (أي التوقف عنها شيئا فشيئا )
سابعاً: عندما تسقط الخطة :
سقوط الخطة يعني أنها انتهت من عالمك ، إما لأنها لم تعد مناسبة أو لأنها توسعت لشيء أكبر مما بدأت فيه .
هل تذكر حديثنا عن التواضع لمدرسة الحياة ؟ . إن الخوف من انتهاء الخطة أو توقفها هو درجة من التكبر أو العناد في مواجهة الحياة . و التحلي بالمرونة جزء من النمو و مرحلة مهمة لتصحيح الطريق .
فلا أحد يلتزم بخطة واحدة للأبد . و الاهتمامات تتغير ، أو تتصحح ، تتسع و تضيق.
يؤنب البعض نفسه : كنت في زمن ما ملتزم بكذا لكن الأن فقدت الالتزام !.
لا شيء خطأ في هذا . لأنه يعني دخلت اهتمامات أخرى ، أو مشاكل تحتاج لخطة جديدة . تذكر أن عجلة الحياة عندما تنشَط في جانب ، ستخمَل في جانب آخر . لا يمكنك الإمساك بكل شيء في يدك . ارخي قبضتك و دع الأشياء الغير مهمة تسقط ، و تلك المهمة تبقى .
و بالعودة للمثال السابق :
قد تتوقف السيدة عن رياضة المشي في الحي لأن الجو صار حار جداً لدرجة تؤثر على سلامتها . إنها تحتاج خطة جديدة مثل أن تغير نوع رياضتها بالكامل ( تتحول إلى الأثقال مثلاُ أو الرياضة المنزلية الحرة ) و كونها تركت رياضة المشي لا يعني أنها فشلت بل هناك درجة من التوسّع و التجارب الجديدة . ثم أنها تخلت عن جداولها الغذائية لأنها شعرت و كأنها محبوسة في خيارات محدودة و نست تماما قصة الطعام وهي منشغلة حالياً في كورس لتعلم اللغة الانجليزية لأنه يرفع متعتها و ثقتها بنفسها .
و هذه كل الحكاية .
قبل أن تقول ( من أين أبدأ ؟ ) تقبل ( إلى أين ستنتهي ؟ ) . كن مستعد لكتابة الخطة و الالتزام بها و تغييرها عند الحاجة .
هذا كل شيء ..
هل تعتقد أن هذه المقالة ساعدتك لتبدأ خطة مجانية تضعها بنفسك في أي شأن مؤرق من حياتك ؟
أم لازلت بحاجة لمساعدة ؟
اترك لنا سؤالك .
سأخبرك سراً بما أنك وصلت في قراءتك حتى هنا 🙊: أتوقع أن معظم الذين سألوني في حساباتي سؤال ( من أين أبدأ؟ ) و أرسلت لهم هذا الموضوع ليبدأوا . توقفوا في المنتصف أو وضعوا علامة حفظ للموضوع و لم يعودوا إليه 😂 . وبما أنك وصلت أقول لك شكراً ، أتمنى لك من قلبي حياة طيبة و متطورة 💕







اترك رداً على Joharh World إلغاء الرد