هل تسائلت يوماً لم معظم خططك للتطور تبدو مجرد حبراً على ورق ؟ أو لماذا تفشل في الإلتزام بتحقيق هدف ما سنويا ً ؟ السبب يكمن بإختصار هو الجهل بالطريقة المثلى لبناء العادة علاوة على الإلتزام بها .
شخصياً ، و بسبب حبي لفكرة التخطيط ، بدأت أعتبر بناء العادات مثل اللعبة المسلية ، تجربة و اكتشاف ، يصح أم لا يصح . و هذا ما أطمح أن أي شخص يفهمه . لأننا في النهاية لسنا روبوتات مصممين نحو الكمال . وقد يتبادر لذهنك السؤال التالي :
لماذا أنجح في الإلتزام بعادة و أفشل في أخرى ؟
السبب بإختصار أن بعض العادات تنسجم بسهولة مع طبيعتك و بيئتك و تركيبة جيناتك بينما البعض الآخر لا ينسجم معك . فمثلاً لو ولدت في بيئة يتناول أفرادها أكل صحي معظم الوقت ، ستجد إن التزامك بأي حمية غذائية صحية أمر سهل بلوغه . لكنك قد تفشل مثلاً في الالتزام بتعلّم لغة جديدة لأنك غير متطور كفاية من هذه الناحية .
الفكرة هنا ، أنك لو وجدت نفسك تنجح بسهولة في الإلتزام بعادة ، فأرجوك استثمر فيها وقتك وجهدك . لأنك بعد مدة من الإلتزام ستكون متطور كثيراً مقارنة بغيرك 😎 خصوصا اذا كانت سماتك الشخصية و بيئتك تدعم هذه العادة . أما لو وجدت صعوبة أو عقبات في الإلتزام بعادة معينة، فهذا يعني أنك تحتاج للتجربة و اكتشاف طرق أسهل لتطبيق هذه العادة . مثل عندما تجد صعوبة في الإلتزام بالرياضة ، فتبدأ بتجربة نوع آخر من الرياضات أو تقلل الوقت المستغرق في الممارسة أو تغيّر المكان .. و هكذا . كأنك تلعب بالخيارات حتى تجد الخيار المفضّل لك .
قاعدة : ابني العادة على أساس الهوية ، و ليس على أساس الهدف النهائي.
و هذا يعني أن تسأل ، ماهي الهوية ( الصفات الشخصية ) التي تريد أن تكونها ؟ مثل هويّة القارئ ، الكاتب ، الرسام ، الرياضي .. ثم تعبّر بوضوح أنك بصدد بناء هذه الهوية من خلال العادات .
ما يحدث أن معظم الناس تضع هدف معين ( مثل خسارة الوزن ) ، ثم تحاول اكتساب العادة ( مثل الرياضة ) . وهذا في الغالب سيؤدي الى فشل الالتزام
مثال آخر : لو وضعت هدف قراءة 24 كتاب في السنة ، من المنطقي أنك ستحاول جاهداً ترسيخ عادة القراءة يوم بعد يوم . لكن _ومن غير المستغرب _ أنك ستتخاذل عن هدفك في منتصف الطريق . و السبب هو أنك أصلا لا تعتبر نفسك شخص قارئ ( الهوية ).. لقد بدأت العادة على أساس تحقيق الهدف . بينما كان يفترض أن تركز على فكرة أنك منذ اليوم تعتبر نفسك شخص قارئ .
الأمر ينطبق على العادات السيئة التي تحاول التخلص منها
طرح الكاتب مثال أن تقدم سيجارة لشخصين يحاولان التخلص من ادمان التدخين ، أحدهما يقول ( لا شكراً ، أنا أحاول الإقلاع عن التدخين ) . بينما يقول الآخر ( لأ شكرا ، أنا لست مدخناً ) . لاحظ قوة الأساس الذي يستند عليه الشخص الثاني وهو ( هوية غير المدخن ) مقارنة بالأول
الخلاصة : ركز على الهوية التي تريد انشاءها ، مثل أن تكون ( قارئ ، كاتب ، رياضي )، و اثبت لنفسك يوم بعد يوم أن هذه الهوية تنتمي اليك من خلال ترسيخها بالعادات اليومية .
مراحل بناء العادة :
الإشارة + التوق + الإستجابة + المكافأة
- الإشارة : المنبّة للدماغ كي يبدأ سلوك معين
- التوق : التحفيز أو الرغبة ، أي لماذا تريد أن تقوم بهذا السلوك ؟
- الإستجابة : البدء بممارسة السلوك
- المكافأة : المقصد النهائي لكل عادة
و الأن : كيف تبني عادة حسنة ؟ أو تتجاوز عادة سيئة من خلال مراحل بناء العادة ؟
يقول الكاتب بإختصار : اجعل العادة واضحة ، جذابة ، سهلة ، مشبعة بيمنا العكس في العادة السيئة اجعلها خفية ، غير جذابة ، صعبة ، و غير مشبعة.. سأشاركك أهم النقاط التي شاركها في هذا الصدد :
آولا : ضع نية العادة ، وكن واضح بشأن تطبيقها :
الأفكار العائمة في عقلك لا يمكن تتبلور لفعل ، إلا اذا أخرجتها للنور . كن واضح بشأن ما تريد .
مثلا : أريد بناء عادة الكتابة اليومية . ثم اربطها مباشرة بتوقيت و مكان بهدف تطبيقها .
سأقوم بالكتابة كل يوم الساعة الثامنة مساءا عندما أجلس على طاولة مكتبي .
و مما يزيد من احتمال عملك للعادة هو أنك تربطها بعادة تقوم فيها اصلاً و هو ما سماه الكاتب ( تكديس العادات ) . و حسب مثالنا السابق ممكن ربط عادة الكتابة بعادة تناولك لوجبة العشاء ( التي تقوم بها تلقائيا ) فتقول :
سأقوم بالكتابة كل يوم الساعة الثامنة مساءا عندما أجلس على طاولة مكتبي و ذلك بعد وجبة العشاء .
أو سأقوم بتنظيف بشرتي ( عادة جديدة ) بعد تنظيف أسناني ( عادة تلقائية )
أنا شخصيا ربطت تناول القهوة بممارسة الرياضة ، لاحظت بعد شرب القهوة اكتسب طاقة أحتاج فيها للحركة ( أي نوع من الحركة البدنية أو الذهنية ) ، فكان فرصة بالنسبة لي أن أقوم بالرياضة مباشرة بعد وقت القهوة .
2. اترك الحاجة للتشجيع و ركز على بناء البيئة الداعمة :
بيئتك تصدر اشارات طوال الوقت ، هذه الاشارات تحفزك لبدء العادة أو تمنعك عنها ، مثال الثلاجة المرتبة و التي تحوي على طعام نظيف صحي جاهز للتناول تحفزك على عادة الأكل صحي أكثر من الثلاجة التي تختبئ فيها الفاكهة و الخضروات في أدراج أو داخل أكياس .
شخصياً وجدت أن وجود قارورة ماء شكلها جميل بجانبي يساعدني على عادة شرب الماء أكثر طوال اليوم ، مقارنة لو كنت اضطر أذهب للمطبخ كل مرة لشرب الماء .
و على هذا الأساس ، دائماً فكّر كيف تجعل بيئتك تصدر اشارات كافية لدعم عادتك التي تود الالتزام بها
و العكس طبعا فيما يخص العادات السيئة ، كيف تجعل بيئتك خالية من محفزات العادات السيئة ، مثل وجود التلفزيون في غرفة النوم يحفز عادة السهر المضرة . كذلك وجود تطبيقات التواصل الاجتماعي على الشاشة الرئيسية لهاتفك يزيد احتمالية أنك تفتحها أول ما تستيقظ من النوم ( ادمان الهاتف ).
و سأطرح مثال في حالتي ، اضطريت أحذف كل تطبيقات التسوق من هاتفي حتى أقلل من هدر المال . لأن القضية لا تتعلق بضبط النفس . فأنا لا أريد أن أكون في موقف اضطر فيه للسيطرة على رغباتي ، الأفضل أن لا أرغب من الأساس . وكما يقال أقطع الحيّة من رأسها و ارتاح 😂
3. اربط العادة بشيء ممتع :
اذا كان هناك متعة مع العادة ، فعقلك تلقائيا سيحبها . مثل أن تقرر بعد قراءة جزء من الكتاب ستشاهد فيلم . أو بعد ممارسة الرياضة ستعمل جلسة مساج . الأهم أن لا تربط العادة بمتعة تعاكس هدفك ، مثل بعد الرياضة تتناول وجبة سريعة ، أو بعد الادخار تذهب في رحلة تسوق عشوائية . هنا أنت تهدم أساس العادة

4. لا تنشغل بالتخطيط ، و ابدأ الممارسة :
كثيراُ ما نخفق في الإلتزام بعادة بسبب أننا ننشغل بالآلية و الكيفية عوضاً عن الفعل فحسب . مثل أن ينشغل أحدهم بالبحث عن أفضل نادي رياضي ، أو أفضل حمية غذائية . صحيح أن التخطيط فعل جيد ، لكنه قد يوهمك آحيانا أنك أنجزت شي . لكن أنت لا تكون مُنجز حتى تفعل😏✋ .
آيضا البعض ينشغل بعدد الأيام التي يحتاجها لترسيخ عادة . و في الواقع الأيام غير مهمة بقدر أهمية ( التكرار ) كلما كررت الفعل زاد احتمال ترسيخه كعادة تقوم بها تلقائيا ً . بإختصار ركز على عدد المرات التي تفعل فيها العادة و ليس عدد الأيام .
5.قاعدة الدقيقتين لجعل أي عادة سهلة :
نحن نستصعب العادات التي تتطلب وقت أو جهد . و غالبيتنا نطبق تلقائيا قانون الجهد الأقل وهو أننا ننجذب بصورة طبيعية نحو الأعمال التي تتطلب اقل قدر من الجهد .
لذلك تحتاج تبسيط عاداتك في البداية قدر الأمكان ( الدقيقتين الأولى ) . بحيث يكون سهل أن تبدأها و سهل أن تفعلها .
مثال لو طبقنا القاعدة على عادة الكتابة اليومية :
في البداية نحاول نجعلها سهلة جداً مثل أن تكتب فقط جملة واحدة .الهدف أنك تتعود أنك تبدأ . و مع الوقت ستجد أنك انغمست بسهولة في عادة الكتابة فقط لأنك بسّطت البداية و بالمثل ممكن تطبيقها على :
بدل أن تقرأ كل يوم قل لنفسك : سأقرأ فقط صفحة واحدة
أمارس رياضة المشي ، قل لنفسك : سأرتدي حذاء المشي فحسب ( لاحظ هنا أنك تعود نفسك على البدء )
أدرس لغة جديدة. قل لنفسك : سأفتح كتاب التعلم فحسب
و هكذا . الهدف أننا نجعل أول دقيقتين من العادة سهلة
و بالمناسبة لو لازلت تجد صعوبة حتى بعد الدقيقتين الأولى . جرّب بعد الدقيقتين أن تتوقف . بمعنى فتحت الكتاب و تصفحته لدقيقتين ، ( خلاص توقف 😏✋. كل يوم كرر افتح الكتاب لدقيقتين ). ستجد نفسك مع الوقت ألفت العادة و تود أن تنغمس فيها أكثر.
6. المكآفات المُشبعة ترسّخ العادة :
لو قررت فتاة الإلتزام بعادة العناية بالشعر أيام محدده اسبوعيا . وكانت بعد كل روتين عناية تشعر بالإنتعاش في فروة رأسها و تحب رائحة الشامبو و الكريم الخاص . كذلك كلما لمست شعرها تحس بالنعومة و الترطيب . كل هذه المميزات تجعل الفتاة تتوق كل أسبوع لوقت العناية بشعرها . لأن المكافأة تستحق ( الشعور ) . و يمكن تطبيق هذا المثال على أي عادة حسنة نود ترسيخها
الأن نأتي للمشكلة البارزة ، أن حتى العادات السيئة فيها مكافآت و اشباع . و الأدهى من ذلك أنها مكافأة فورية . مثل المتعة أثناء تناول وجبة سريعة أو الإثارة أثناء مشاهدة فيلم درامي بدل الدراسة .
بينما العادات الحسنة تكون لها مكافأت لكن الفرق أنها مؤجلة . مثال عندما تلتزم بعادة توفير أموالك . فأنت حتماً لا تشعر بالسعادة الأن ، و ستحصل على مكآفأة التوفير بعد سنوات ، مقارنة بالسعادة الفورية لو أنفقتها الأن . كذلك الإلتزام بالرياضة بهدف انقاص الوزن تأتي نتائجه متأخرة جداً ، مقارنة بالإشباع القادم من الراحة على الكنبة و مشاهدة التلفاز .
لذلك من المهم ادراك أن النتائج الفورية الممتعة غالبا لها تبعات كارثية ( أكل دسم ، انفاق للأموال ، التدخين ) بينما لو تأخرت النتائج الممتعة الى المستقبل هذا يعني أنك في طريقك للنجاح ( العمل ، الادخار ، الرياضة )
وهنا يأتي دورك كفرد واعي ، أنك تجعل عاداتك الحسنة مشبعة لك بقدر الإمكان و تربطها بالمتعة في عقلك بدل الألم . مثلا ألاحظ كثير من الرياضيين يشاركون لحظاتهم في النادي على التواصل الاجتماعي ، أظن فيه متعة خفية بين جهدهم في الرياضة وبين الإطراء الذي يتلقونه من خلال مشاركة صورهم ، هذا ربط ايجابي . ايضا ممكن نربط الادخار المالي بمكافأة مثل شراء جهاز أو الذهاب في رحلة . فعلى الأقل لن تشعر أنك محروم بقدر ما أنك توفر متعة مستقبلية لنفسك .

7. تعقب العادات يجعلك تواظب عليها :
تعقب العادة يعني أن يكون لديك تقويم أو جدول ، بحيث تضع علامة ( صح ) عن كل يوم تقوم فيه بعاداتك .. سلوك المتابعة هذا يكسبك وضوح حيال أهدافك، كما أنه يعطي شعور بالإشباع ، لما تضع علامة صح كل يوم في جدول العادات . و الأهم من كل هذا أنه يعطيك حماسة أنك تستمر في العادة لأنك لا تريد كسر سلسلة الإنجاز . و بشكل عام لو كسرت السلسلة لظرف ما حاول أنك تعود اليها بأسرع ما يمكن . حتى لا تفقد التلقائية التي اكتسبتها خلال ممارستك للعادة
هذا كل شيء ، هل شعرت بالتحفيز لبدء عادة اليوم ؟
أوصيك عموما بقراءة كتاب ( العادات الذرية )، لأن هذه التدوينة لا تعتبر اختصار أو التلخيص له، لكنها مجرد مقالة من وحي الكتاب .
شكرا لقراءتك
مواضيع ذات صلة :
تابعني على منصات التواصل الإجتماعي :