أظن كل شخص يكتب مذكراته أو قرر البدء في رحلة الكتابة يتراود في ذهنه هذا الخاطر . ماذا بعد الكتابة ؟
أحدثك شخصياً عن رحلة كتابة مذكراتي التي بدأتها منذ 2008 ، يعني 15 سنة من الحمل الورقي 😥. مع الإشارة الى أن كتبت آيضا في دفاتر أخرى قبل هذا التاريخ ، لكن عندما وصلت لخطوة ( الزواج ) قررت أن هذه حقبة جديدة تتطلب التخلي عن كل القصص القديمة و بالتالي مزقت كل الدفاتر لأبدأ غيرها
أحب أنوه أني أتحدث في هذا الموضوع عن :
- الفضفضة التعيسه على الورق
- الكتابات التي تحمل مشاعر/ ذكريات سيئة
- التي مشبعة بنقاط ضعفك
- و تخشى أن يطلع عليها أحد
أما الذكريات السعيدة و دروس الحياة المهمة فأنا أشجع كثيرا على كتابتها كسجل انجاز لك ، اقرأ موضوعي عن فن كتابة الذكريات هنا :
و الأن قد يطرأ سؤال لماذا نكتب مذكرات عن حياتنا اصلا ؟
اذا كنت كاتب بالفطرة ، فكتابة المذكرات سبب تلقائي لتمارس فطرتك ، أن تكتب ما يجري من حولك ، فتعطي معنى و عمق لقصة حياتك . و إن لم تكن كاتب ، فتدوين المذكرات يعتبر نوع من التحرر النفسي و ترتيب لفوضى الأفكار ، مع تقليب لمشاهد الحياة بهدف اكتشاف زواياها الأخرى . الكتابة تعتبر من طرق التشافي المعتمدة عند الكثير من الأشخاص . أتذكر عندما مررت بصدمة قلبت حياتي رأسا على عقب كان أول خاطر جاءني : أحتاج أن أكتب القصة ، أحتاج أن تخرج من رأسي😩 ، و واضبت على الكتابة لأسابيع كلما تذكرت مشهد أو شعرت بألم أو غضب أو خوف .

المذكرات تذكير فعلا و خارطة طريق لقصتك . لكن _ انتبه _ليس كل شيء يستحق التذكر .
لنعترف أن العقل يخدع المرء آحيانا مع تقادم الزمن . بمعنى أن المصيبة التي حدثت منذ 10 سنوات لما تتذكرها الأن تقول : ( اممم ربما بالغت بردة فعلي) . لكن ماذا لو كان عندك أدلة مكتوبة عن هذه الواقعه : الشخوص ، الحدث ، مقدار الألم ، الحورات . لما تقرأها ستعذر نفسك و تقول : ( لا لم أبالغ بشيء ، كان الأمر يستحق ) . بمعنى أن هذا النوع من أدلة يجعلك تعذر نفسك على سلوكك وقتها و ستتوقف عن تأنيب الذات أو الشعور بالعار .
و العكس آحيانا قد تبدو بعض القصص كبيرة في عقلك ، حتى تعود لوقائعها المكتوبة فتكتشف أن القصة كانت أبسط بكثير و أن هناك سوء فهم ، فترتاح منها.
آيضا من العجائب التي تكشفها كتابة المذكرات هي الحقائق المدسوسة بين السطور . عندما أقرأ بعض مذكراتي القديمة _ الممتدة لعشرات السنوات _ و التي يكون فيها وصف لحدسي نحو أشخاص ، أتفاجأ بأن حدسي كان صحيح و إني ظللت سنوات أكذب هذا الحدس بحجة أني ( فاهمة غلط ) . لا أقول أن الأشخاص سيئين لكن ما كان يفترض أن أبذل نحوهم أي جهد . قراءتي لهذه الحقيقة المدسوسة دليل أن شعوري صح منذ البداية .
اذن المذكرات في جوهرها أدلة و حقائق و وقائع لقصة حياتك، لا عجب أن المرء يتشبث فيها
أين المشكلة في كل هذا؟
المشكلة أن هذه القصص تدب فيها الحياة كلما قرأتها ، و هي قابلة لإعادة التبلور في واقعك الحالي ، و بالتالي هويتك الشخصية _ مع مرور الوقت _ ستكون ثقيلة بالأحمال ، لأن الذكريات القديمة حاضرة فيها بوضوح . و هذا يعني أنك صعب تتغير ، وأصعب منها أن تسمح للآخرين يتغيرون .
يقولون افتح صفحة جديدة ، أنا أقول غيّر الدفتر بالكامل لو سمحت .
المذكرات تغدو كابوس مع مرور الوقت :
لأن المذكرات ببساطة تحمل نقاط ضعف ، اخفاقات ، مشاعر سوداء ، قصص خفية . لما تكتبتها يزول عنك عبء فعلا ، لكن تبقى أعباء عديدة بعدها : عبء تخزين الورق ، عبء الذكرى نفسها ، و عبء أن يطلع عليها أحد ! . ربما لن تنتبه لهذه الأعباء الا بعد سنوات و سنوات من الكتابة ، لذلك اوقفها قبل أن تستفحل .
هناك مقطع من أغنية لطيفة للمسلسل الكارتوني ( أبطال الديجتال ) تقول :
الخطوة تدفع خطوة ، الماضي يُفهَم و يُطوَى .
وهذه هي الإجابة : افهم الماضي و اطويه مباشرة .
عندما قررت أخيرا التخلص من مذكراتي كلها في السنتين الأخيرتين 2022 و 2023 ، عمدت على قراءة كل القصص ، استخرجت بعض الأدلة التي لا أريد لعقلي أن يمحوها بفعل الزمن ، و استخرجت بعض الدروس الأصيلة . ثم كتبتها كأفكار في جمل قصيرة على مستند في الحاسوب ، و رميت الباقي .
لكن _ لنكن واقعيين _ هناك قصص لم أستطع التخلي عنها ، إما بسبب أنها قصص حديثة و لم اتشافى منها تماما أو بسبب أسلوبي في كتابتها😎 ، بمعنى أستمتع بقراءتها ، و كأنها رواية ( هل أخبرتكم أن الكتابة تعطي عمق للحياة ؟ ) السبب أنها تجعلك تتخيل أنك بطل في رواية 😏.
و أنا أنصحك ايضا أن لا تحرق كل المراكب خلفك بسرعه ، لأن بعض القصص تشعر أنك لم تنتهي منها و قد تحتاجها في عمليات التنظيف النفسي ( تحرير شعور أو تحرير قصة مؤلمة ) وعندما تكون الوقائع واضحة عندك و مكتوبة ، يسهل التحرر منها مقارنة مما لو كانت فوضوية في عقلك .
التخفف من الورق :
إن التغيير الذي عملته فيما بقي من أوراق المذكرات _التي أريدها_ هو أني نقلتها الكترونياً الى مستندات مقفلة / تطبيقات على الهاتف . مع يقيني لو ضاعت يوما ما I Don`t Care . لأن خلاص ما احتاجها ، هوية قديمة و ماتت ! ✋😏
و بالمناسبة البعض يتخلص من الورق بالتمزيق أو بالحرق ، أنا شخصيا أؤيد الغرق . ارمي الدفتر في المغسلة و غرقة بالماء ، ستجد الحبر يسيل و الورق ينعجن على بعضه ، فتشعر أن ماضيك قد تم تطهيره بنجاح .
حسنا ، ماذا عن كتابات الصباح ؟ و التفريغ العقلي بالكتابة ؟ هل أتوقف عن التحرر بالفضفضة الورقية؟
قطعاً لأ ، لكن أوصي بدفتر واحد في السنة ، و يمكن أن نحتفظ فيه لثلاث سنوات كحد أدنى ثم نفرز محتوياته ونتخلص منه . أكثر من هذا أعتبره تعلق بالقصص و الهوية و الأحداث الميتة .
بالتالي خلاصة الشأن في دفاتر الذكريات :
لو كنت تملك العديد منها ، ابدأ بفرزها ، استخرج منها ما تريد و تحرر من الباقي .
و الأفضل تنقلها لمستندات على الانترنت أو تطبيقات المفكرات المقفلة عل الهاتف . المستندات الاكترونية تريحك من عبء التخرين ، و يقل احتمال أن يطلع عليها أحد لو كانت مقفولة بكلمة سر ، و اخيرا يسهل حذفها بعد الانتهاء منها و ذلك بضغطة زر فقط .
و الأفضل أن تعتاد الكتابة و الفضفضة مباشرة في المفكرة الالكترونية خصوصا اذا لم تكن بصدد اتباع اسلوب علاجي يشمل الكتابة بالقلم .
هذا كل شيء .
هل تتفق معي بشأن المذكرات ؟ 😥
منتجات ذات صلة :
دفاتر مُذكرات تشجّع على الكتابة المبهجة :

اطلع على متجرنا الالكتروني ملفات رقمية في التخطيط و التنظيم مجانية و مدفوعة :
اقرأ المواضيع ذات الصلة :
لا تنسى متابعتي في مواقع التواصل الاجتماعي :






اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد